(٦٨) كِتَابُ الحُدُودِ
١- بابُ انْتزاعِ نُورِ الإِيمانِ مِن الزَّانِي والسَّارقِ والشَّاربِ والمُنتهِبِ
٣٠٠٢. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ». [خ:٦٧٧٢]
1. قال ابن عثيمين: «فإن قال قائل: مالفرق بين السرقة وبين النُّهبة ؟ قلنا: السرقة أن يأخذ المال بخفية، يتأنى ويتسمع، هل حوله أحد أو لا؟، ثم يحاول الفتح بخفية، بينما المنتهب هو من يأخذ المال بخطف وسرعة».
• [خت] قال ابن عبَّاس: يُنزع مِنه نُور الإيمانِ.
٢- بابُ الحدِّ في الخَمْرِ، وكيف هُو؟ وكمْ هُو؟
٣٠٠٣. [ق] عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ضَرَبَ فِي الخَمْرِ بِالجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. [خ:٦٧٧٣]
٣٠٠٤. وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِالنُعَيْمَان -أَوْ ابْنِ النُعَيْمَان- وَهُوَ سَكْرَانُ، فَشَقَّ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ مَنْ فِي البَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ، فَضَرَبُوهُ بِالجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، فَكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعَال. [خ:٦٧٧٥]
٣٠٠٥. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: «اّْضْرِبُوهُ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ. قَالَ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ». [خ:٦٧٧٧]
1. قال ابن عثيمين : «في الحديث دليل على أن الإنسان إذا فعل ذنبا وعوقب عليه في الدنيا، فإنه لا ينبغي لنا أن ندعو عليه بالخزي والعار؛ بل نسأل الله له الهداية، ونسأل الله له المغفرة».
2. وفيه: رعاية الشرع لأحوال المذنب بعد إقامة العقوبة عليه، بعدم تعييره بها.
2. وفيه: رعاية الشرع لأحوال المذنب بعد إقامة العقوبة عليه، بعدم تعييره بها.
٣٠٠٦. وعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ/ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ. [خ:٦٧٧٩]
٣٠٠٧. [ق] وعن عُمير بْن سَعيدٍ النَّخَعِيِّ قال: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ﵁ قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ فَأَجِدَ فِي نَفْسِي إِلَّا صَاحِبَ الخَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمْ يَسُنَّهُ. [خ:٦٧٧٨]
٣- بابُ ما يُكَرَهُ مِنْ لَعْن شاربِ الخَمْرِ، وإباحةِ لَعْنِ السَّارقِ إِذا لم يُسَمَّ
٣٠٠٨. عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ النَّبيَّ ﷺ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللهُمَّ اّْلعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ». [خ:٦٧٨٠]
1. قوله: (وكان يُلقَّبُ حماراً)، قال ابن حجر: «فيه جواز التلقيب، وهو محمول هنا على أنه كان لا يكرهه، أو أنّه لما تكرر منه الإقدام على الفعل المذكور نُسِبَ إلى البلادة، فأُطلِق عليه اسم من يتصف بها ليرتدع بذلك».
2. قوله: (ما أكثَرَ ما يُؤتى به)، قال ابن حجر: «فيه أن من تكررت منه المعصية لا تُنْزع منه محبة الله ورسوله».
2. قوله: (ما أكثَرَ ما يُؤتى به)، قال ابن حجر: «فيه أن من تكررت منه المعصية لا تُنْزع منه محبة الله ورسوله».
٣٠٠٩. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ». قَالَ الأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الحَدِيدِ، وَالحَبْلُ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْهَا مَا يساوي دَرَاهِمَ. [خ:٦٧٨٣]
1. فيه: مشروعية لعن غير المعين من العصاة؛ لأنه لعن جنس السارقين مطلقا.
٤- بابٌ: ظَهْرُ المُؤمِن حِمًى إلَّا في حَدٍّ أو حقٍّ، والحُدُودُ كفَّارةٌ
٣٠١٠. [ق] عن عَبدِ اللهِ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: «أَلَا أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟» قَالُوا: أَلَا شَهْرُنَا هَذَا. قَالَ: «أَلَا أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟» قَالُوا: أَلَا بَلَدُنَا هَذَا. قَالَ: «أَلَا أَيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟» قَالُوا: يَوْمُنَا هَذَا. قَالَ: «فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟». ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ: أَلَا نَعَمْ. قَالَ: «وَيْحَكُمْ -أَوْ: وَيْلَكُمْ- لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»./ [خ:٦٧٨٥]
• وعن عُبَادة بن الصَّامِت -وقد تقدَّم حَديثه في الإيمان- وفيه: «ومَن أصابَ شيئًا مِن ذلك فعُوقب فهو كفَّارةٌ»[ر:١٣].
قال أبو عبدِ اللهِ: إذا تابَ السَّارقُ وقُطعتْ يَدُهُ قُبلتْ شهادتُهُ، وكذلكَ الحُدُودُ.
٥- بابُ وُجُوبِ القِيَامِ بِحُدُودِ اللهِ على الشَّريفِ والوَضِيعِ،
والانْتقامِ لحُرُماتِ اللهِ، وتَحْريمِ الشَّفاعةِ فيها إِذَا بلغتِ الإمامِ
٣٠١١. [ق] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَاللهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ. [خ:٦٧٨٦]
٣٠١٢. [ق] وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ المَرْأَةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، قَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟» ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ -في رواية [خ:٦٧٨٧]: هَلَك- مَنْ كَان قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا». [خ:٦٧٨٨]
1. قال النووي: «أجمع العلماء على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام، لهذه الأحاديث، وعلى أنه يحرم التشفيع فيه، فأما قبل بلوغه إلى الإمام فقد أجاز الشفاعة فيه أكثر العلماء إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان لم يشفع فيه. وأما المعاصي التي لا حد فيها وواجبها التعزير فتجوز الشفاعة والتشفيع فيها سواء بلغت الإمام أم لا ; لأنها أهون، ثم الشفاعة فيها مستحبة إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب أذى ونحوه».
2. قوله:( وايم الله لو أن فاطمة) قال النووي: «فيه دليل لجواز الحلف من غير استحلاف، وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب كما في الحديث».
3. وفيه: ترك الرحمة فيمن وجب عليه الحد.
4. وفيه: أن شرف الجاني لا يسقط الحد عنه.
2. قوله:( وايم الله لو أن فاطمة) قال النووي: «فيه دليل لجواز الحلف من غير استحلاف، وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب كما في الحديث».
3. وفيه: ترك الرحمة فيمن وجب عليه الحد.
4. وفيه: أن شرف الجاني لا يسقط الحد عنه.
٦- بابٌ: في كمْ تُقطَعُ يدُ السَّارقِ؟ ومِن أينَ تُقطعُ؟
وقَطَعَ عليٌّ مِن الكفِّ.
وقال قَتَادةُ في امْرأةٍ سَرَقتْ فقُطعتْ شمالها: ليس إلَّا ذلك.
٣٠١٣. [ق] وعَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قالت: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «تُقْطَعُ يدُ السَّارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا». [خ:٦٧٨٩]
٣٠١٤. [ق] وعن عُروة قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تُقْطَعْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا فِي ثَمَنِ مِجَنٍّ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ. [خ:٦٧٩٢]
٣٠١٥. [ق] وفي روايةٍ: لم تكن تُقْطَع يد السَّارق في أدنى مِن حَجَفَةٍ أو تُرْسٍ، كُلُّ وَاحدٍ منهما ذُو ثَمَنٍ. [خ:٦٧٩٣]
٣٠١٦. [ق] وعَنِ ابنِ عُمرَ قَالَ: قَطَعَ رسُولُ اللهِ ﷺ يَدَ سَارِقٍ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. [خ:٦٧٩٨]
• [خت]وفي رواية: قِيمتُه./
٧- بابٌ في قولِهِ تَعَالى: ﴿إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ﴾ الآيةَ [المائدة:٣٣]
٣٠١٧. [ق] عن أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ -أَوْ قَالَ: مِن عُرَيْنَةَ، وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: عُكْلٍ- قَدِمُوا المَدِينَةَ -في رواية [خ:٦٨٠٤]: فأسْلموا، فاجْتَووا المدينةَ- فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَشَرِبُوا حَتَّى إِذَا بَرِئُوا -في رواية [خ:٦٨٠٤]: حتَّى صحُّوا وسَمِنوا- قَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ غُدْوَةً، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آَثَارِهِمْ، فَمَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَّرَ أَعْيُنَهُمْ، فَأُلْقُوا في الحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ. [خ:٦٨٠٥]
• [ق] وفي رواية: وسَمَلَ أعْينهم، ثمَّ لم يَحْسِمْهُمْ حتَّى مَاتُوا. [خ:٦٨٠٢]
• [ق] وفي رواية: فأمَرَ بِمَسَاميرَ فأُحْميتْ فكَحَلَهم. [خ:٦٨٠٤]
1. قال النووي: «هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين، وهو موافق لقول الله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض».
٨- بابُ رَجْمِ الزَّانِي المُحْصَنِ
٣٠١٨. [ق] عَنِ الشَّيْبَانِي قال: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى عَنِ الرَّجْمِ؟ فَقَالَ: رَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ. فَقُلْتُ: أَقَبْلَ النُّورِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. [خ:٦٨٤٠]
٣٠١٩. [ق] وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «أَبِكَ جُنُونٌ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «آحْصَنْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ فَرَّ، فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ بالمصلَّى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ خَيْرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ. [خ:٦٨٢٠]
• انفرد مَعْمرٌ عَنِ الزُّهري بقوله: وَصَلَّى عَلَيهِ، ولم يروِه غيرُه، ذكره البخاري.
1. قوله:( أبك جنون ؟) إما قاله ليتحقق حاله، فإن الغالب أن الإنسان لا يصر على الإقرار بما يقتضي قتله من غير سؤال، مع أن له طريقا إلى سقوط الإثم بالتوبة. وفي الرواية الأخرى:( أنه سأل قومه عنه فقالوا: ما نعلم به بأسا) وهذا مبالغة في تحقيق حاله، وفي صيانة دم المسلم.
2. قال النووي: «وفيه إشارة إلى أن إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجب عليه، وهذا كله مجمع عليه».
2. قال النووي: «وفيه إشارة إلى أن إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجب عليه، وهذا كله مجمع عليه».
٩- بابُ إقامةِ حدِّ الرَّجمِ على مَنْ زَنَى مِنْ أهلِ الذِّمَّةِ
٣٠٢٠. [ق] عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اليَهُودَ جَاؤوا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ/ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ. قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَرُجِمَا، فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى المَرْأَةِ، يَقِيهَا الحِجَارَةَ. [خ:٦٨٤١]
قلت: (يَحْنِي) بالحاء رُواية الحمويي، وبالجيم للسَّرخسيِّ والكُشْمِيْهَنيِّ، وصوابه: (يَجْنَأ) بالجيم والهمزة.
1. قوله صلى الله عليه وسلم:( فقال ما تجدون في التوراة ؟) قال النووي: «قال العلماء: «هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، إنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، ولعله صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء، أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم، ولهذا لم يخف ذلك عليه حين كتموه».
١٠- بابُ بَيَانِ الطُّرقِ الَّتي يترتَّبُ عليها حدُّ الزِّنا
٣٠٢١. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَا: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ [اللهَ] إِلَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بكِتَابِ اللهِ. فَقَامَ خَصْمُهُ -وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ- فقال: اّْقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ وَأْذَنْ لِي. قال: «قُلْ». قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا على هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِئَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِئَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وعَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ. فَقَالَ النَّبيُّ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، المِئَةُ شَاةٍ وَالخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى اّْبْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاّْغْدُ يَا أُنيسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا». فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. [خ:٦٨٥٩]
٣٠٢٢. [ق] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ، أَلَا وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. [خ:٦٨٢٩]
1. قوله: ( فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: «ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة) قال النووي: «هذا الذي خشيه قد وقع من الخوارج ومن وافقهم، وهذا من كرامات عمر - رضي الله عنه - ويحتمل أنه علم ذلك من جهة النبي صلى الله عليه وسلم».
١١- بابُ رَجْم الحُبْلَى في الزِّنا
٣٠٢٣. [ق] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنَ المُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ/ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اليَوْمَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ؟ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَوَاللهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ اللهُ لَقَائِمٌ العَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، مُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطِيرُ بهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لَا يَعُوهَا، وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أَهْلُ العِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللهِ -إِنْ شَاءَ اللهُ- لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فِي عُقْبِ ذِيْ الحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ المِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: لَيَقُولَنَّ العَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ. فَأَنْكَرَ عَلَيَّ وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ؟ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى المِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ المُؤَذِّنُونَ قَامَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، وَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللهِ مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، فَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى/ إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ، ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللهِ أَنْ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، وإِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، أَلَا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه». ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ: وَاللهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا. فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ، أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا مِنْكُمْ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللهُ نَبِيَّهُ أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا، وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ المُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ، لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ القَوْمُ، فَقَالَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ؟ قُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ وَكَتِيبَةُ الإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ مَعاشِرَ المُهَاجِرِينَ رَهْطٌ، وَقَدْ دَفَّتْ جماعةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا، وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ. فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الجَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى/ رِسْلِكَ. فَكَرِهْتُ أُغْضِبُهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا حَتَّى سَكَتَ، فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ العَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيُّهُم شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ لِي نَفْسِي عِنْدَ المَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ الآنَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا المُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا المُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَقُلْتُ: اّْبْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ المُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: قَتَلَ اللهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. فقَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا وَاللهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا القَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَلَا يُبايع هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا. [خ:٦٨٣٠]
الغريب: (رَعَاعُ النَّاس): جُهَّالهم. و(غَوْغَاؤهم): عامَّتهم وَأخْلاطهم. و(أحْصَنَ): نَكحَ نِكَاحًا صَحيحًا، ووطِئَ فيه وَطأ مباحًا.و(تُطْرُوني): مِن الإطْراء، وهو الغلوُّ في المدْحِ بالباطِلِ أو بما لا يليقُ بالممدوحُ، كما فعلتِ النَّصارى بالمسيح، واليهود بالعُزير. و(مُزَمَّل): مُلَفَّف. و(يُوعَك): بالحمَّى والرِّعْدَة، وكان ذلك به -والله أعلم- لهولِ ذلك المقام وَشِدَّته عليهم. و(دَفَّت دافَّة) أي: نزلتْ بنا دافَّةٌ، وهم أهل البادية الفُقراء، مأخوذةٌ مِن الدَّفِيف،/ وهو سيرُ الضَّعيف. و(يَخْتَزِلُونا): يَجذبوننا مِن أَصْلنا. و(يَحْضُوننا): مِن الحَضَانة، وكأنَّه مِن المَقلوب؛ أي: يَحضنون الأمر دُوننا، والله أَعلم. وَ(زوَّرْتُ): رَوَّيتُ وَحَسَّنْتُ. و(عَلى رِسْلِك): رِفْقَكَ. و(أوْسطُ العَرَب): أعدلها نسبًا وأشْرفها دارًا. و(تُسوِّل): تزيِّن. و(الجُذَيْل): تَصغير جَذْل، وهو الأصل، ويُراد به هنا الجِذع الَّذي تُربط إليه الإبل وتَنضمُّ إليه تحتكُّ به، ولذلك وصَفَه بالمحكَّك؛ أي: أمْلس لكثرةِ ذلك. و(العُذَيْق): تَصغير عِذْق -بكسر العين في مكبَّره- وهو الكِبَاسَة، وهو عُرْجون النَّخل المذلَّل المحسَّن ليُجتنى. و(تَغِرَّة): هُو بالتَّاء باثْنتين مِن فوقها وبالغين المُعجمة، وهِي مأخوذة مِن الغَرر مخافةً أن يقتلا، والله أعلم.
1. قوله: (كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبدالرحمن بن عوف)، قال ابن الجوزي: « أما إقراء ابن عباس لمثل عبدالرحمن بن عوف ففيه تنبيه على أخذ العلم من أهله وإن صغرت أسنانهم أو قلت أقدارهم».
2. وفي الحديث: أن العلم يصان عن غير أهله، ولا يحدث منه الناس إلا بما يرجى ضبطهم له.
3. وفيه: أن يرد على الإمام بعض أصحابه إذا ظهر لهم الأصوب والأولى.
4. وفيه: رجوع الإمام إلى الصواب، وترك ما كان من قوله هو لقول الناصح من مأموميه.
5. وفيه: أن الدقيق من الأحكام ينبغي أن يتوخى بنشره خواص الناس ووجوههم وأشرافهم، ممن تقدمت منه الدرجة، فيضع كل شيء منه على موضعه.
6. وفيه: أهمية خلافة الأمة في صلاح الدين والدنيا؛ فالصحابة رضي الله عنهم لم يؤخروها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بل انشغلوا بها.
7. وفيه: أن بعض القرآن ينسخ لفظه، ويبقى حكمه.
8. وفيه: أهمية الاتفاق واجتماع الكلمة ونبذ الخلاف بين المسلمين.
9. وفيه: أنه لا اجتهاد مع النص؛ فالصحابة رضي الله عنهم أذعنوا لقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما أخبرهم به أبو بكر رضي الله عنه، وكانوا قبل ذلك يجتهدون في الأمر.
2. وفي الحديث: أن العلم يصان عن غير أهله، ولا يحدث منه الناس إلا بما يرجى ضبطهم له.
3. وفيه: أن يرد على الإمام بعض أصحابه إذا ظهر لهم الأصوب والأولى.
4. وفيه: رجوع الإمام إلى الصواب، وترك ما كان من قوله هو لقول الناصح من مأموميه.
5. وفيه: أن الدقيق من الأحكام ينبغي أن يتوخى بنشره خواص الناس ووجوههم وأشرافهم، ممن تقدمت منه الدرجة، فيضع كل شيء منه على موضعه.
6. وفيه: أهمية خلافة الأمة في صلاح الدين والدنيا؛ فالصحابة رضي الله عنهم لم يؤخروها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بل انشغلوا بها.
7. وفيه: أن بعض القرآن ينسخ لفظه، ويبقى حكمه.
8. وفيه: أهمية الاتفاق واجتماع الكلمة ونبذ الخلاف بين المسلمين.
9. وفيه: أنه لا اجتهاد مع النص؛ فالصحابة رضي الله عنهم أذعنوا لقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما أخبرهم به أبو بكر رضي الله عنه، وكانوا قبل ذلك يجتهدون في الأمر.
١٢- بابٌ: تُجْلَد الأَمَةُ إذا زَنتْ، ولا تُنْفَى وَلا يُثَرَّبَ عَليها
٣٠٢٤. [ق] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: «إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ». [خ:٦٨٣٧]
٣٠٢٥. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ». [خ:٦٨٣٩]
قوله: (وَلَمْ تُحْصَن) أي: لم تتزوَّج؛ لأنَّها إذَا تزوَّجت لم يُقِمْ عَليها الحدَّ إلَّا الإِمام؛ لحقِّ الزَّوج، هذا قول مالك. و(لَا يُثَرِّب): لا يُوبِّخ ولا يُعنِّف.
١٣- بابٌ: كمِ التَّعْزِيرُ والأدَبُ؟ ومن قذَفَ مَمْلُوكَهُ لم يُحَدَّ في الدُّنيا
٣٠٢٦. [ق] عَن ابنِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، عَنْ أبي بُرْدَة -واسمه هَانِئ بْن نِيَارٍ- قال: كَان النَّبيُّ ﷺ يقول: «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ». [خ:٦٨٤٨]
• [ق] وفي رواية: «لا عُقُوبةَ فوقَ عشرة أسواطٍ» الحديثَ. [خ:٦٨٤٩]
• [ق] وفي أخرى: «لا تجلدوا فوق عشرة أسواطٍ» الحديثَ. [خ:٦٨٥٠]
٣٠٢٧. [ق] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ/ أَبَا القَاسِمِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ الحَدَّ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ». [خ:٦٨٥٨]